فاروق الباز |
أكبر المصائب حالياً هي أننا لم نتعلم من أخطاء الماضي القريب، فما زال
أولو الأمر يفضلون "أهل الثقة" على أهل الخبرة والمعرفة في
المواقع الإدارية. كيف لا يعي مسئول أن هذا المسار كان سبباً رئيسياً في خيبة
العهد البائد؟
لقد تسبب هذا الفكر المغرور في القضاء على منافع ثورة ١٩٥٢م التي ابتدع
قادتها تعيين مَنْ يثق بهم الحاكم الآمر بالمناصب الهامة، بغض النظر عن مستوى
المعرفة أو العلم بالشيء. استمر الحال هكذا حتى تفشى إلى أقصى الحدود في عصر مبارك
حيث نتج عنه الخمول المُريب في كل أركان الدولة.
معظم مَنْ أمسك بزمام الأمور في الوزارات والمحافظات والمؤسسات والشركات
كان ولاؤهم الأول والأخير للنظام، وليس للعمل المطلوب أي للمهنة.
يتم التمادي في هذا المسار بتطبيق مخطط محكم لترويض وتأهيل وتدريب من اعتبره
النظام أهلاً للثقة. بدأ المخطط بزيارات من مجموعات رسمية تمثل المخابرات العامة
وأخري من الرقابة الإدارية. نقلت هذه المجموعات "الخبر السار" لمَنْ
يود النظام ترويضه أنه في عين الاعتبار لموقع ما، بطريقة تزيد ضغط الدم وسرعة
ضربات قلب الشخص المختار. يأتي بعد ذلك التساؤل عن رأي الشخص في مسيرة الدولة وحكم
الرئيس. طبعاً يسهب الشخص المختار ما لا نهاية له في المديح والتعظيم ليؤكد أنه
خير مؤهل للتعيين في الموقع المرموق.
إني لا اعتقد أن مثل هذا التأهيل يتم حالياً كما كان الوضع في الماضي،
في نفس الوقت يبدو أن التعينات في الأماكن المرموقة تتم حسب رأى
"الجماعة" لاختيار أشخاص "إحنا عارفينهم كويس" معنى هذا هو أن
الاختيار ما زال يتم على هوى النظام وأن الولاء للنظام يبقى في مكانة أعلى من
الولاء للمهنة وللصالح العام. ليس عندي من شك أن الاعتماد على أهل الثقة
بصورة أو بأخرى هو بداية الهلاك.
يلزم التغير الذي تتطلبه ثورة ٢٥ يناير الشابة اختيار قيادات تتسم
بالرؤية والخبرة والعلم والمعرفة والريادة في كل المواقع الإدارية الهامة بالدولة.
لذلك لابد أن يكون اختيار القادة بعيداً عن المحسوبية والطائفية والحزبية السياسية،
وما إلى ذلك من فكر عقيم. مصر تحتاج إلى أحسن ما فيها من قدرات للخروج من
الركود الاقتصادي والخمول الفكري وما إليهما.
لابد إذا أن نعي أن اختيار فرد ما لموقع قيادي بالدولة يجب أن يشمل
على تقصى أحسن الخبرات المصرية الوطنية المخلصة للتأكد من اختيار أفضل ما لدينا.
ربما تم ذلك تبعاً للخطوات التالية:
أولاً: سؤال
أهل الخبرة من داخل وخارج الحكومة ومن النظام ومن خارجه اقتراح عدة أسماء لأفراد
يعتقد أنهم خير من يقوم بالعمل المطلوب.
ثانياً: سؤال
كل من تم اقتراحهم بتحديد رؤيتهم بالتفصيل، وتحديد أولويات وخطة العمل الزمنية
للوصول إلى الغرض المنشود إذا ما وكلت إليهم المهمة الوطنية.
ثالثاً: مقارنة
البرامج المقترحة وآلياتها بواسطة مجموعة من أهل الخبرة تشمل عدداً متوازياً من
داخل النظام وخارجه.
رابعاً: اختيار
الشخص الأنسب وإعلان الخطة المقترحة على الملأ لكي يعرف الجميع شكل المسار وإن يتعاونوا
في تحقيق أهدافه.
تعني هذه الخطوات أن أخيار القادة يجب أن يكون بناءً على رؤية ومقدرة
وفكر، وأن يكون الهدف الأول والأخير هو الولاء للمهنة.
وجود أهل الرؤية والخبرة والعلم والمعرفة في المواقع
الإدارية العليا هو حجر الأساس الذي يستمد النظام منه قوته وثباته. وهذا ما يجب
عمله إذا كان الغرض هو نجاح النظام ورفعة ورُقى مصر.
قيل لنا أن هذا هو عصر النهضة الحضارية في مصر اليوم. قيل أيضاً أن ما
كان يحصل في الماضي لن يعود ليكبل أيدي الحاضر. أسعدتنا هذه المقولات وتأملنا
خيراً في مصدرها. تطلعنا لحكم عادل رشيد يرفع من شأن كل مصري ومصرية بالحق والعدل
والمساواة؛ لكي يرسخ في فكر الناس دوافع التميز لكونه المقياس الوحيد للوصول إلى
أرقى المراكز؛ لكننا الآن نردد "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون"
صدق الله العظيم.
فاروق الباز - الخميس 12 أكتوبر 2012
Writer: Farouk El-Baz https://g.co/kgs/M5ylzQ/
No comments:
Post a Comment