لن يقتلعوا جذورنا من هذه الأرض
يارا الحوراني |
أحداثٌ كثيرة حدثت في الآونة الأخيرة وهدفها اقتلاع المسيحيين من أرضهم وتفريغها من أبنائها المسيحيين، وبالحقيقة اضطهاد المسيحيين ليس بجديد، فمنذ ولادتها وهي مُضْطَهَدَّة، وقد يكون السيد المسيح، له المجد، أول إنسان أُضطهد وقُتل من أجل مسيحيته ورسالته ومن بعده الرُسل والمسيحيين الأولين، ولكن ما يشكل فرقاً الآن أننا اليوم نعاصره ونعيش هذا الاضطهاد، فالماضي أصبح تاريخاً بالنسبة لنا وأغلبنا لا يحب التاريخ، كما أن وسائل الإعلام اليوم تنقل وبلحظته وقوع أي حدث في أي مكان بالعالم ونشاهده مباشرةً حتى لو كان في أقصى الأرض، فتاريخ هذه المحاربة والاضطهاد ليس بجديد، ولكن ما يدعو للاستغراب، أنه مستمر بل ويزداد مع زيادة الجمعيات الخيرية والمنظمات المنادية بحقوق الإنسان وغظ النظر عن عرقه ودينه ومعتقده، وكثرة الجماعات المطالبة باحترام الآخر وحرية التفكير والتعبير عن الرأي وتقبل الرأي الآخر. فمن جهة أخرى نرى الجهل والظلم والتعدي على الآخر يزداد.
أتساءل ويتساءل الكثيرون، ماذا يريدون؟ هل حقاً يريدون تفريغ هذه الأرض المقدسة من سبب قداستها وهي المسيحية؟ فبالمسيح أصبحت بلادنا، من فلسطين والأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق مقدسة، من ولادته وتجسده على أرضها، من دعسة قدميه على ترابها، ومن قبله القديس يوحنا المعمدان والنبي إيليا وما تبعهم من أنبياء وقديسين، وإن أردتم الحق، فهذه أرض المسيحيين من قبل، فنحن من وُجِد عليها من زمن الوثنيين، فنحن عرب أصليين جُبلنا من طينة هذه الأرض ويسري في عروقنا ماؤها، وها هم الآن يُرهبوننا ويقتلون أهلنا وأبناءنا وأصدقاءنا لنُغادر.
يتحدث الكثير من المسئولين والآباء ويدعوننا للصمود وعدم الخوف والثبات في هذه الأرض، وماذا تفعل العائلة البسيطة الخائفة على أبنائها، والزوجة الخائفة على زوجها، والزوج الخائف على بناته وامرأته وأبنائه؟ فهم مسئولون عن حمايتهم وهذا واجبهم وكيف هذا إذا بقوا في مكان يسوده الخوف والموت؟
المسيح لم يعدنا بحياة رغيدة وسعادة أرضية، بل على العكس، لقد قال وبكل صراحة ووضوح ولم يستخدم الأمثال او العبارات التي بحاجة لتفسير ودراسة كبقية التعاليم، لقد قال: "حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي، متى 24: 9" ولكنه وعدنا وقال: "وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ . وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى" ووعدنا بالحياة والسعادة الأبدية في حضن ألآب، وما هو الأهم بالنسبة لك ولي؟ الحياة الأرضية الزائلة أم الحياة السماوية الأبدية، فما يقول القديس يعقوب في رسالته: "وأنتُم لا تعلَمونَ ماذا يكونُ غداً، فإنَّها ما عسى أن تكونَ حياتُكُم؟ إنَّما هيَ بُخارٌ يَظهَرُ قليلاً ثمَّ يَضمحِلّ".
ومن وضع يده على المحراث لا ينظر للوراء، فنحن اليوم كمسيحيين مطلوبون ومُطالبون بالشهادة لإيماننا وبالثبات، وكما مات السيد المسيح لأجلنا ولأجل رسالته وكذلك فعل الآباء القديسين، كذلك مطلوب منا اليوم، فنحن ثابتون في هذه الأرض كثبات أشجار الزيتون وأشجار الأرز، كأهرامات مصر وجامعات بغداد وقلاع تدمر، إن استطاعوا اقتلاعها من أساسها عن هذه الأرض فليقتلعونا نحن أيضا، ليقتلعوا قبلنا كل شجرة زيتون احتضنت السيد المسيح وقت صلاته، ليقتلعوا كل ذرة تراب داست عليها قدميه وكل قطرة ماء اغتسل بها وجهه، ليقتلعوا كل هذه الشواهد عليه وعلى مسيحيتنا إن استطاعوا.
فاثبتوا واطلبوا ملكوت السماء والحياة الأبدية، وأبونا السماوي هو أقدر وأولى بحمايتنا وحماية عائلاتنا إن وضعناها بين يديه فقد وعدنا: "وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لا تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ" لوقا 12: 4، "وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا" بطرس الأولى 3: 14، " وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي . وَلكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ" لوقا 21: 17، فطوبى لمن يؤمن ويثق ويثبت للنهاية.
ولنصلي معا صلاة الاستغاثة بالرب وقت الشدة
"أيها الرب الهي، ليكن اسمك مباركا إلى الدهور . فها قد نزلت بي هذه المحنة ولا أستطيع الهرب منه، واني ألتجئ إليك لتساعدني، وتحولها إلى خير . ربي.. إني في ضيق ولا سلام لقلبي، واني معذب جدا، أيها ألآب الحبيب، ماذا أقول؟ نجني من هذه الساعة، ولكن، لأجل هذه الساعة بلغت إلى هذه الساعة، لكي تعلن مجدك، بأنني كنت قد ذلّلت جدا، وأنت أعتقتني . ارتض يا رب أن تنقذني، إذ ماذا يمكنني أن أصنع، والى أين أذهب بدونك؟ ربي، لتكن مشيئتك، بمعونتك يا الهي ، لن أخاف. مهما ثقلت عليّ الشّدة .
أعطني، هذه المرّة أيضا أن أحتمل بصبر، إلى أن تجوز العاصفة، وتتحسن الأمور . إنّ ذراعك القديرة تستطيع أن تقصي عني هذه المحنة أيضا، وتلطّف من حدّته، فلقد صنعت ذلك من قبل مرارا يا الهي ورحمتني . وبمقدار ما يصعب عليّ هذا الأمر المستحيل، بمقدار ما هو سهل على يمينك، فلك الشكر والمجد في حكمتك وتدبيرك إلى الأبد...
"منقول"
No comments:
Post a Comment